أريد منكم أن تنسوا فيلم وا اسلاماه وتقرأوا قصة حياة قطز الحقيقية وكيف حول مصر من حالة الفوضى إلى إنتصار عظيم على أكبر قوة عظمي في ذلك الوقت خلال عام واحد فقط وللعلم لن نحرر الاقصى إلا إذا اتبعنا ما فعله قطز ولكنكم لاتزالون في حالة الغفلة
قطز
هو الملك المظفر سيف الدين قطز بن عبد الله المعزي سلطان مصر المملوكي, يعتبر أبرز ملوك الدولة المملوكية على الرغم أن فترة حكمة لم تدم سوى عاماً واحداً، لأنه استطاع أن يُوقف زحف المغول الذي كاد أن يقضى على الدولة الإسلامية وهزمهم هزيمة منكرة في معركة عين جالوت، ولاحق فلولهم حتى حرر الشام.
أصله ونشأته
ولد قطز أميراً مسلماً في ظل الدولة الخوارزمية فهو محمود بن ممدود ابن أخت السلطان جلال الدين خوارزم شاه، ولد في بلاد خوارزم شاه لأب اسمه ممدود وأمه التي كانت أخت الملك جلال الدين بن خوارزم شاه, وكان جده من أعظم ملوك خوارزم شاه, وقد دخل جده في حروب طويلة مع جنكيزخان ملك التتار إلا أنه هُزم وتولي نجم الدين الحكم. وكان بداية حكمه رائعة وانتصر على التتار في كثير من المعارك, إلا أنه بعد ذلك قام بعدة سقطات إلى أن وصل التتار إلى عاصمة حكمه, وتم اختطافه عقب انهيار الدولة الخوارزمية عام 628 هـ / 1231م على يد المغول، وحُمل هو وغيره من الأطفال إلى دمشق وتم بيعهم في سوق الرقيق وأطلق عليه اسم قطز، ظل قطز عبد يُباع ويُشترى إلى أن انتهى به المطاف في يد عز الدين أيبك أحد أمراء مماليك البيت الأيوبي بمصر. ويروي شمس الدين الجزري في تاريخه عن سيف الدين قطز: «لما كان في رِقِّ موسي بن غانم المقدسي بدمشق، ضربه سيده وسبَّه بأبيه وجده، فبكى ولم يأكل شيئاً سائر يومه، فأمر ابن الزعيم الفرّاش أن يترضاه ويطعمه، فروى الفرّاش أنه جاءه بالطعام وقال له: كل هذا البكاء من لطمة؟ فقال قطز: إنما بكائي من سَبِّه لأبي وجدي وهما خير منه؛ فقلت: من أبوك؟ واحد كافر؟!.. فقال: والله ما أنا إلا مسلم ابن مسلم، أنا محمود بن ممدود ابن أخت خوارزم شاه من أولاد الملوك، فسكت وترضيته» كما يروي أنه أخبر في صغره أحد أقرانه أنه رأى رسول الله ﷺ وقد بشَّره بأنه سيملك مصر ويكسر التتار، وهذا يعني أن الرجل كان يعتبر نفسه صاحب مهمة، وأنه من الصلاح بحيث رأى رسول الله واصطفاه الله بذلك. ولا شك أن قطز رحمه الله كان مبعوث رحمة الله ومبعوث العناية الإلهية بالأمة العربية والإسلامية وبالعالم كي يخلص العالم من شر وخطر التتار للأبد، وكان وصوله لحكم مصر من حسن حظها وحظ العالمين العربي والإسلامي. وقد وُصف قطز بأنه كان شابًّا أشقر، كث اللحية، بطلاً شجاعاً عفاً عن المحارم، مترفعاً عن الصغائر مواظباً على الصلاة والصيام وتلاوة الأذكار، تزوج من بني قومه ولم يخلّف ولداً ذكراً بل ترك ابنتين لم يسمع عنهما الناس شيئاً بعده.
وصايته على الحكم
قام الملك عز الدين أيبك بتعيين قطز نائبًا للسلطنة، وبعد أن قُتل الملك المعز عز الدين أيبك على يد زوجته شجرة الدر، وقُتلت من بعده زوجته شجر الدر على يد جواري الزوجة الأولى لأيبك، تولى الحكم السلطان نور الدين علي بن أيبك، وتولى سيف الدين قطز الوصاية على السلطان الصغير الذي كان يبلغ من العمر 15 سنة فقط. وأحدث صعود الطفل نور الدين إلى كرسي الحكم اضطرابات كثيرة في مصر والعالم الإسلامي، وكانت أكثر الاضطرابات تأتي من قِبل بعض المماليك البحرية الذين مكثوا في مصر، ولم يهربوا إلى الشام مع من هرب منها أيام الملك المعز عز الدين أيبك، وتزعم أحد هؤلاء المماليك البحرية واسمه سنجر الحلبي الثورة، وكان يرغب في الحكم لنفسه بعد مقتل عز الدين أيبك، فاضطر قطز إلى القبض عليه وحبسه. كذلك قبض قطز على بعض رءوس الثورات المختلفة، فأسرع بقية المماليك البحرية إلى الهرب إلى الشام، وذلك ليلحقوا بزعمائهم الذين فروا قبل ذلك إلى هناك أيام الملك المعزّ، ولما وصل المماليك البحرية إلى الشام شجعوا الأمراء الأيوبيين على غزو مصر، واستجاب لهم بالفعل بعض هؤلاء الأمراء، ومنهم «مغيث الدين عمر» أمير الكرك الذي تقدم بجيشه لغزو مصر.. ووصل مغيث الدين بالفعل بجيشه إلى مصر، وخرج له قطز فصدّه عن دخول مصر، وذلك في ذي القعدة من سنة 655 هـ / 1257 م، ثم عاد مغيث الدين تراوده الأحلام لغزو مصر من جديد، ولكن صدّه قطز مرة أخرى في ربيع الآخر سنة 656 هـ / 1258م.
توليه الحكم
كان قطز محمود بن ممدود بن خوارزم شاه يدير الأمور فعليًّا في مصر، ولكن الذي كان يجلس على كرسي الحكم سلطان طفل، فرأى قطز أن هذا يُضعف من هيبة الحكم في مصر، ويزعزع من ثقة الناس بملكهم، ويقوي من عزيمة الأعداء إذ يرون الحاكم طفلاً. فقد كان السلطان الطفل مهتماً بمناقرة الديوك، ومناطحة الكباش، وتربية الحمام، وركوب الحمير في القلعة، ومعاشرة الأراذل والسوقة، تاركاً لأمه ومن وراءها تسيير أمور الدولة في تلك الأوقات العصيبة، وقد استمر هذا الوضع الشاذ قرابة ثلاث سنوات، على الرغم من تعاظم الأخطار وسقوط بغداد بيد المغول، وكان من أشد المتأثرين بذلك والمدركين لهذه الأخطار الأمير قطز، الذي كان يحزّ في نفسه ما كان يراه من رعونة الملك، وتحكم النسوان في مقدرات البلاد، واستبداد الأمراء، وإيثارهم مصالحهم الخاصة على مصلحة البلاد والعباد. هنا اتخذ قطز القرار الجريء، وهو عزل السلطان الطفل نور الدين علي, وتولى عرش مصر. حدث هذا الأمر في 24 ذي القعدة 657 هـ / 1259 م، أي قبل وصول هولاكو إلى حلب بأيام، ومنذ أن صعد قطز إلى كرسي الحكم وهو يعدّ العدّة للقاء التتار. عندما تولى قطز الحكم كان الوضع السياسي الداخلي متأزماً للغاية, فقد جلس على كرسي الحكم في مصر خلال عشرة أعوام تقريبًا ستة حكام وهم: الملك الصالح نجم الدين أيوب، ولده توران شاه, شجر الدر، الملك المعز عز الدين أيبك، السلطان نور الدين علي بن أيبك, وسيف الدين قطز. كما كان هناك الكثير من المماليك الطامعين في الحكم, ويقومون بالتنازع عليه. كما كان هناك أزمة اقتصادية طاحنة تمر بالبلاد من جراء الحملات الصليبية المتكررة، ومن جراء الحروب التي دارت بين مصر وجيرانها من الشام، ومن جراء الفتن والصراعات على المستوى الداخلي. فعمل قطز على إصلاح الوضع في مصر خلال إعداده للقاء التتار.
الإعداد للقاء التتار
قطع قطز أطماع المماليك في الحكم عن طريق توحيدهم خلف هدف واحد، وهو وقف زحف التتار ومواجهتهم, فقام بجمع الأمراء وكبار القادة وكبار العلماء وأصحاب الرأي في مصر، وقال لهم في وضوح: «إني ما قصدت (أي ما قصدت من السيطرة على الحكم) إلا أن نجتمع على قتال التتر، ولا يتأتى ذلك بغير ملك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو، فالأمر لكم، أقيموا في السلطة من شئتم». فهدأ معظم الحضور ورضوا بذلك، كما قبل قطز الصلح مع بيبرس الذي أرسل الرسل لقطز كي يتحدا للتصدي لجيوش المغول التي كانت قد دخلت دمشق آسرة الناصر يوسف ملكها, وعظّم قطز من شأن بيبرس جدًّا، وأنزله دار الوزارة، وأقطعه قليوب وما حولها من القرى، وعامله كأمير من الأمراء المقدَّمين، بل وجعله على مقدمة الجيوش في معركة عين جالوت. واستعداداً للمعركة الفاصلة مع التتار فقد راسل قطز أمراء الشام، فاستجاب له الأمير المنصور صاحب حماة، وجاء من حماة ومعه بعض جيشه للالتحاق بجيش قطز في مصر, أما المغيث عمر صاحب الكرك وبدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل فقد فضلا التحالف مع المغول والخيانة, وأما الملك السعيد حسن بن عبد العزيز صاحب بانياس فقد رفض التعاون مع قطز هو الآخر رفضاً قاطعاً، بل انضم بجيشه إلى قوات التتار ليساعدهم في محاربة المسلمين. اقترح قطز أن تفرض على الناس ضرائب لدعم الجيش، وهذا قرار يحتاج إلى فتوى شرعية؛ لأن المسلمين في دولة الإسلام لا يدفعون سوى الزكاة، ولا يدفعها إلا القادر عليها، وبشروط الزكاة المعروفة، أما فرض الضرائب فوق الزكاة فهذا لا يكون إلا في ظروف خاصة جدًّا، ولابدّ من وجود سند شرعي يبيح ذلك. فاستفتى قطز الشيخ العز بن عبد السلام فأفتى قائلاً: «إذا طرق العدو البلاد وجب على العالم كلهم قتالهم، وجاز أن يؤخذ من الرعية ما يُستعان به على جهازهم بشرط أن لا يبقى في بيت المال شيء وأن تبيعوا ما لكم من الممتلكات والآلات، ويقتصر كل منكم على فرسه وسلاحه، وتتساووا في ذلك أنتم والعامة، وأما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي قادة الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا». قبل قطز كلام الشيخ العز بن عبد السلام، وبدأ بنفسه, فباع كل ما يملك، وأمر الوزراء والأمراء أن يفعلوا ذلك, فانصاع الجميع, وتم تجهيز الجيش كله.
وصول رسل التتار
بينما كان قطز يعد الجيش والشعب للقاء التتار وصل رسل هولاكو يحملون رسالة تهديد لقطز جاء فيها: «بسم إله السماء الواجب حقه، الذي ملكنا أرضه، وسلّطنا على خلقه, الذي يعلم به الملك المظفر الذي هو من جنس المماليك, صاحب مصر وأعمالها، وسائر أمرائها وجندها وكتابها وعمالها، وباديها وحاضرها، وأكابرها وأصاغرها. إنّا جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلّطنا على من حل به غيظه، فلكم بجميع الأمصار معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم، وسلّموا إلينا أمركم, قبل أن ينكشف الغطاء، ويعود عليكم الخطأ. فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرق لمن اشتكى. فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد. فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب. فأي أرض تأويكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ وأي ذلك ترى؟ ولنا الماء والثرى؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من أيدينا مناص فخيولنا سوابق، وسيوفنا صواعق، ورماحنا خوارق، وسهامنا لواحق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال. فالحصون لدينا لا تمنع، والجيوش لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع، لأنكم أكلتم الحرام، وتعاظمتم عن رد السلام، وخنتم الأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان. فأبشروا بالمذلة والهوان ﴿فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَق﴾[الأحقاف:20]، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون﴾ [الشعراء: 227]. وقد ثبت أنا نحن الكفرة وأنتم الفجرة، وقد سلطنا عليكم من بيده الأمور المدبرة، والأحكام المقدرة. فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم لدينا ذليل، وبغير المذلة ما لملوككم علينا من سبيل، فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا رد الجواب، قبل أن تضرم الحرب نارها، وتوري شرارها، فلا تجدون منا جاهاً ولا عزاً، ولا كتاباً ولا حرزاً، إذ أزتكم رماحنا أزًّا، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، وعلى عروشها خاوية. فقد أنصفناكم، إذ أرسلنا إليكم، ومننا برسلنا عليكم». جمع قطز القادة والمستشارين وأطلعهم على الرسالة، وكان من رأي بعض القادة الاستسلام للتتار وتجنب ويلات الحرب, فما كان من قطز إلا أن قال:«أنا ألقى التتار بنفسي، يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون من بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، وإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين عن القتال». فتحمس القواد والأمراء لرؤيتهم قائدهم يقرر الخروج لمحاربة التتار بنفسه، بدلاً من أن يرسل جيشاً ويبقى هو. ثم وقف يخاطب الأمراء وهو يبكي ويقول: «يا أمراء المسلمين، من للإسلام إن لم نكن نحن». فقام الأمراء يعلنون موافقتهم على الجهاد، وعلى مواجهة التتار مهما كان الثمن. وقد زاد من عزيمة المسلمين وصول رسالة من صارم الدين الأشرفي الذي وقع أسيراً في يد المغول أثناء غزوهم الشام, ثم قبل الخدمة في صفوفهم وأوضح لهم فيها قلة عددهم, وشجعهم على قتالهم, وأن لا يخافوا منهم. وقام قطز بقطع أعناق الرسل الذين أرسلهم إليه هولاكو بالرسالة التهديدية، وعلّق رءوسهم في الريدانية في القاهرة وأبقي على الخامس والعشرين ليحمل الأجساد لهولاكو. وأَرسل الرسل في الديار المصرية تنادى بالجهاد قي سبيل الله ووجوبه وفضائله, وكان العز بن عبد السلام ينادى في الناس بنفسه فهب نفر كثير ليكونوا قلب وميسرة جيش المسلمين أما القوات النظامية من المماليك فكونت الميمنة واختبأت بقيتها خلف التلال لتحسم المعركة.
في أرض المعركة
التقى الفريقان في المكان المعروف باسم عين جالوت في فلسطين في 25 رمضان 658 هـ / 3 سبتمبر 1260م, وكانت الحرب ضارية أخرج التتار فيها كل إمكانياتهم، وظهر تفوق الميمنة التترية التي كانت تضغط على الجناح الأيسر للقوات الإسلامية، وبدأت القوات الإسلامية تتراجع تحت الضغط الرهيب للتتار، وبدأ التتار يخترقون الميسرة الإسلامية، وبدأ الشهداء يسقطون، ولو أكمل التتار اختراقهم للميسرة فسيلتفون حول الجيش الإسلامي. كان قطز يقف في مكان عال خلف الصفوف يراقب الموقف بكامله، ويوجه فِرَق الجيش إلى سد الثغرات، ويخطط لكل كبيرة وصغيرة, وشاهد قطز المعاناة التي تعيشها ميسرة المسلمين، فدفع إليها بآخر الفرق النظامية من خلف التلال، ولكن الضغط التتري استمر. فما كان من قطز إلا أن نزل ساحة القتال بنفسه. وذلك لتثبيت الجنود ورفع روحهم المعنوية, ألقى بخوذته على الأرض تعبيراً عن اشتياقه للشهادة، وعدم خوفه من الموت، وأطلق صيحته الشهيرة: «وا إسلاماه». وقاتل قطز مع الجيش قتالاً شديداً، حتى صوب أحد التتر سهمه نحو قطز فأخطأه ولكنه أصاب الفرس الذي كان يركب عليه قطز فقُتل الفرسُ من ساعته، فترجل قطز على الأرض، وقاتل ماشياً لا خيل له. ورآه أحد الأمراء وهو يُقاتل ماشياً، فجاء إليه مسرعاً، وتنازل له عن فرسه، إلا أن قطز امتنع، وقال: «ما كنت لأحرم المسلمين نفعك!!». وظل يُقاتل ماشياً إلى أن أتوه بفرس من الخيول الاحتياطية. وقد لامه بعض الأمراء على هذا الموقف وقالوا له: «لمَ لمْ تركب فرس فلان؟ فلو أن بعض الأعداء رآك لقتلك، وهلك الإسلام بسببك». فقال قطز: «أما أنا كنت أروح إلى الجنة، وأما الإسلام فله رب لا يضيعه، وقد قتل فلان وفلان وفلان… حتى عد خلقاً من الملوك (مثل عمر وعثمان وعلي) فأقام الله للإسلام من يحفظه غيرهم، ولم يضع الإسلام ». وانتصر المسلمون ولاحق قطز فلولهم وطَهّر المسلمون بلاد الشام بكاملها في غضون بضعة أسابيع، وعادت من جديد أرض الشام إلى ملك الإسلام والمسلمين وفتحت دمشق, وأعلن قطز توحيد مصر والشام من جديد في دولة واحدة تحت زعامته، بعد عشر سنوات من الفرقة، وذلك منذ وفاة الملك الصالح نجم الدين أيوب. وخُطب لقطز رحمه الله على المنابر في كل المدن المصرية والفلسطينية والشامية، حتى خطب له في أعالي بلاد الشام والمدن حول نهر الفرات. وبدأ قطز يوزع الولايات الإسلامية على الأمراء المسلمين، وكان من حكمته رحمه الله أنه أرجع بعضاً من الأمراء الأيوبيين إلى مناصبهم؛ وذلك ليضمن عدم حدوث الفتنة في بلاد الشام، ولم يخش قطز رحمه الله من خيانتهم، وخاصة بعد أن تبين لهم أنه لا طاقة لهم بقطز وبجنوده الأبرار.
مقتله
قتل ركن الدين بيبرس السلطان المظفر قطز في ذو القعدة 658 هـ / 24 أكتوبر 1260 م أثناء عودة الجيش إلى مصر, والسبب أن السلطان قطز قد وعد بيبرس بمنحه حكم حلب بعد انتهاء الحرب, وبعد ذلك فكر السلطان قطز بالتخلي عن السلطنة وإكمال حياته في طريق الزهد وطلب العلم وترك قيادة البلاد لقائد جيوشه ركن الدين بيبرس, وبالتالي تراجع عن منح بيبرس ولاية حلب بما أنه سيصبح ملكاً للبلاد كلها, فاعتقد بيبرس أن السلطان قطز قد خدعه وبدأ رفاقه يصورون له ذلك ويحرضونه على الخروج على السلطان وقتله, فلما قفل قطز من استعادة دمشق من يد التتار أجمع المماليك البحرية ومنهم بيبرس أن يغتالوه في طريقهم لمصر. فلما قارب مصر ذهب في بعض أيامه يتصيد وسارت الرواحل على الطريق فاتبعوه وتقدم إليه أنز الأصبهاني شفيعاً في بعض أصحابه. فشفعه فأهوى يقبل يده فأمسكها. وعلاه بيبرس بالسيف فخر صريعاً لليدين والفم. ورشقه الآخرون بالسهام فقتلوه. ثم حُمل قطز بعد ذلك إلى القاهرة فدفن بها.
ويبدو للناظر في كتب التاريخ التي حفظت لنا هذه القصة أن سيف الدين قطز قد جاء لأداء مهمة تاريخية محددة، فما أن أنجزها حتى توارى عن مسرح التاريخ بعد أن جذب الانتباه والإعجاب الذي جعل دوره التاريخي على الرغم من قصر فترته الزمنية كبيراً وباقياً.
لماذا كنا عظماء من كتاب قادة لا تنسى تأليف تامر بدر