Description
مقدمة كتاب صفة الراعي والرعية
لقد وضع الإسلام منهجًا بيِّنًا ووافيًا في العلاقة بين الراعي والرعية، وبَحَثَ أهلُ العلم في كتب السياسة الشرعية ما يتعلَّق بهذه العلاقة، وواجبات كل من الطرفين وحقوقه على وجه يُبَيِّن أن الإسلام له نظامه الخاص منهجًا للحياة؛ ومن الناحية السياسية فيما يتعلق بعلاقة الإمام ورعيته من المواطنين فلم يعرف التاريخ الإسلامي نظام حكم إسلامي معين، فالإسلام الشريعة السماوية الخاتمة لم يأتِ بنظام معيَّن محدَّد يفرضه على المسلمين في كل زمان ومكان، وإنما أتى بمبادئ عامة تصلح لكل زمان ومكان، دون التعرُّض للتفصيلات والأساليب والجزئيات التي بطبيعتها تتطور وتتغير بتغير ظروف الزمان والمكان، لتراعى فيها كل أمة ما يلائم حالها، وتقتضيه مصالحها.
وبناء على ذلك فالإسلام فيما يتعلق بنظرية الدولة لم يُشَرِّع نظامًا سياسيًّا لا يقبل تغييرًا ولا تبديلاً، ولم يدخل الإسلام في تفاصيل ذات قيم نهائية مطلقة، وإنما اكتفى بوضع المبادئ العامة والقواعد الكلية التي ينبغي أن تعتمد عليها هذه النظرية، فالنظرية الإسلامية في الدولة (بالنسبة إلى الجزئيات والتفصيلات) شأنها شأن سائر النظريات السياسية الإسلامية قابلة للتغيير والتبديل والإضافة، وصيغها ليست نهائية ولا قطعية، ولا هي موضوعة في قالب جامد؛ فالإسلام يسمح بتطوير النظريات السياسية وتحويرها؛ تلك التي اجتهد العلماء المسلمون في صياغتها طبقًا لمتطلبات العصر، وظروف الزمان والمكان.
لا يوجد أي نوع من القطيعة بين الحديث عن الإسلام والدولة المدنية، ولا عن الإسلام والمواطنة، ولا عن الإسلام وحرية الرأي والاعتقاد، فمن يفترضون الشقاق بين الإسلام وكل هذه الأفكار الحديثة هم أنفسهم لا يفهمون حقيقة الإسلام، ولا يقرءون تاريخ النبي ﷺ وصحابته الكرام رضي الله عنهم على نحو صائب أو عادل؛ لهذا كانت للدولة في الإسلام خصائصها المميزة، كما أن لنظام الحكم في الإسلام أسسه الخاصة من العبودية لله، والعدالة، والشورى ووجوبها، والمساواة، والطاعة لأولى الأمر، ووجوب مناصحة أولى الأمر، ومسئولية الحاكم أو الراعي وإخضاعه لرقابة القضاء والأمَّة، والوحدة السياسية للأمَّة، وكفالة الحقوق والواجبات، والحرية، وهذه الأسس هي التي تمثل لب النظام الإسلامي، وأكثر أسسه المعبرة عن خصوصيته؛ ولقد حاولتُ قدر الإمكان تناول ذلك في كتابي.
وأخيرًا: أرجو من الله تعالى أن يكون عملي عملاً خالصًا لوجهه الكريم، وأن يُثيبني على كل حرف كتبته، ويجعله في ميزان حسناتي، وأن يُثيب إخواني الذين أعانوني بكل ما يملكون من أجل إتمام هذا الكتاب.
«سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين».
الفقير إلى عفو ربه ومغفرته
تــامر بــــدر
الأحد 3 رجب 1440 هــ
10 مارس 2019 م
Laisser un commentaire
Vous devez vous connecter pour publier un commentaire.