سلمان الفارسي ـ الباحث عن الحقيقة طوال الفترة التي قضيتها في تأليف كتابي (الرسائل المنتظرة) وحتى الآن كانت قصة الصحابي الجليل سلمان الفارسي لا تغادر ذهني فقد كانت قصته مصدر الهام لي ومثال حقيقي على الصبر والتعب في سبيل الوصول إلى الحقيقة، فقد عايش سلمان رضي الله عنه المجوسية والنصرانية واليهودية قبيل ظهور الإسلام، وظلَّ يبحث عن الدين الحق إلى أن هداه الله إليه، فلم يُسلم عقله وقلبه للتقاليد والمعتقدات الموروثة في وطنه والتي لو كان متمسك بها الى ان مات لما كان من أصحاب النبي ﷺ. ولما اهتدي الى دين الإسلام ومات على شِركه. لقد كان سلمان الفارسي رغم نشأته في فارس وسط عبادة النار يبحث عن الدين الحق وخرج يبحث عن الله. فقد كان يدين بالديانة المجوسية، ولم يكن مقتنعًا بهذه الديانة وإنَّما وجد عليها آباءه عاكفين فاعتنقها معهم، ولمَّا اشتدَّ شكُّه في ديانته وديانة أهله ترك سلمان بلاده فارس وهاجر إلى الشام باحثًا عن الحقيقة الدينية المُطلقة، والتقى في الشام بالرهبان والقساوسة، وبعد رحلة طويلة وصل سلمان عبدًا إلى المدينة المنورة ولمَّا سمع بالنبي ﷺ التقى به وأسلم بعد أن اقتنع برسالته. يذكر الصحابي الجليل أنه ولد فارسيًا في بلاد أصبهان – بإيران حاليًا- من أهل قرية منها يقال لها جي وكان أبوه حاكمها، فقد نشأ سلمان في سلالة أسرة ارستقراطية، تعيش في نعيم مقيم في بلاد فارس، وكان أبيه يحبه حبًا شديدًا ويخشى عليه لدرجه أنه حبسه في بيته، وكان سلمان قد تدرج في المجوسية حتى أصبح قاطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة. وفي يوم طلب منه والده أن يذهب إلى ضيعة له ليرعاها بسبب مشاغله وطلب منه ألا يتأخر عنه حتى لا يقلق، وفي طريق سلمان إلى الضيعة مر على كنيسة وفيها من يصلون فدخل وأعجب بهم، وقال: «هذا – والله – خير من الدين الذي نحن عليه»، فلم يتركهم حتى غربت الشمس. وسألهم عن مكان أصل هذا الدين فأخبروه أنه في الشام، فعاد سلمان إلى أبيه وأخبره بما حدث وأنه أُعجب بهذا الدين فحسبه مقيدًا بالسلاسل. ويحكي سلمان فيقول: فبعثت إلى النصارى، فقلت: «إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى، فأخبروني بهم». فقدم عليهم ركب من الشام، فأخبروه وهرب من بيت والده إلى الشام. وهناك التقى بأحد الأساقفة الزهاد الذين كانوا على الحق، ولما حضرته الوفاة أوصاه أن يذهب إلى أحد الأساقفة في الموصل وهو على نفس حاله من الصلاح وانتظار بعثة النبي ﷺ، فذهب إليه وظل معه فترة ثم حضرته الوفاة أوصاه بالذهاب إلى أحد أساقفة “نصيبين” وتكرر الأمر كذلك حتى وصل إلى أسقف من أهل عمورية بالروم وهو الذي أخبره بزمان النبي ﷺ. قال الأسقف له: «أي بني، والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه، ولكن قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم، مهاجره بين حرتين إلى أرض سبخة ذات نخل، وإن فيه علامات لا تخفى، بين كتفيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل؛ فإنه قد أظلك زمانه». وبعدها مر على سلمان قافلة من أرض العرب فذهب معهم بحثًا عن نبي آخر الزمان، ولكن في الطريق باعوه ليهودي ووصل به إلى المدينة فعرف من نخلها أنها هي مدينة النبي ﷺ كما وصفها له الأسقف. ويحكي سلمان قصة قدوم النبي إلى المدينة فيقول: “وبعث الله نبيه ﷺ بمكة لا يذكر لي شيء من أمره مع ما أنا فيه من الرق، حتى قدم رسول الله ﷺ قباء، وأنا أعمل لصاحبي في نخلة له، لما سمعت بخبر قدوم النبي، نزلت أقول: «ما هذا الخبر؟». فرفع مولاي يده فلكمني لكمة شديدة، وقال: «ما لك ولهذا، أقبل على عملك». وأراد سلمان أن يختبر صفات النبي ﷺ التي أخبره عنها الأسقف وهي أنه لا يأكل الصدقة ويقبل الهدية وأن خاتم النبوة بين كتفيه وغيرها من العلامات، فذهب إلى النبي ﷺ في المساء وأخذ معه طعام وأخبره أن هذا الطعام من باب الصدقة، فأمر النبي أصحابه أن يأكلوا ولم يأكل هو، فعلم سلمان أنها احدى العلامات. ثم رجع إلى النبي ﷺ مرة أخرى فجمع به طعامًا وأخبره أنه هدية فأكل رسول الله ﷺ وأكل أصحابه، فعلم أنها العلامة الثانية. وبحث سلمان عن خاتم النبوة ويقول عن ذلك فيقول: “ثم جئت رسول الله ﷺ، وهو يتبع جنازة وعلي شملتان لي وهو في أصحابه، فاستدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف. فلما رآني استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي، فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فانكببت عليه أقبله وأبكي”. وهكذا أسلم سلمان الفارسي وكاتب سيده وطلب النبي ﷺ من الصحابة أن يعينوه وبالفعل أعتق سلمان وظل مرافقًا للنبي ﷺ تابعًا له حتى أن النبي ﷺ قال: “سلمان منا آل البيت”. لقد كانت رحلة سلمان الفارسي للوصول الي الحقيقة طويلة وصعبة فقد هاجر من المجوسية في فارس ثم الي المسيحية في الشام ثم الي العبودية في جزيرة العرب الى أن هداه الله سبحانه وتعالى الى النبي ﷺ والإسلام. اللهم اجمعني به وبالصحابة رضي الله عنهم في الفردوس الأعلى.