الشهيد يوسف العظمة هو يوسف بك بن إبراهيم بن عبد الرحمن آل العظَمة. ينتمي إلى عائلة دمشقيه عريقة، استشهد في مواجهة الجيش الفرنسي الذي جاء لاحتلال سوريا ولبنان حيث كان وزير الحربية للحكومة العربية في سوريا بقيادة الملك فيصل الأول. هو أول وزير حربية عربي يخوض معركة ويستشهد فيها. نشأته ولد الشهيد يوسف العظمة سنة 1301 هـ / 1884 م في حيّ الشاغور بدمشق لأسرة كبيرة و عريقة، ولمّا أصبح له من العمر 6 سنوات توفّي والده، فكفله شقيقه عزيز. درس العظمة في دمشق في المدرسة الرشدية العسكرية ابتداءً من عام 1893 م، ثم في المدرسة الإعدادية العسكرية منذ عام 1897 م، وفي عام 1900 م انتقل إلى المدرسة الحربية العسكرية في اسطنبول، وفي العام التالي دخل المدرسة الحربيّة العالية (حربية شهانه)، وتخرّج منها برتبة ملازم ثان سنة 1903 م، ورقّي إلى رتبة ملازم أول سنة 1905 م ثم إلى رتبة نقيب سنة 1907 م بعد أن قام بدورة أركان حرب محليّة في اسطنبول، و في أواخر عام 1909 م أوفد في بعثة دراسية إلى ألمانيا، حيث درس هناك في مدرسة أركان الحرب العليا لمدة سنتين، وبعدها عاد إلى الأستانة، و عّين ملحقاً عسكرياً في المفوّضية العثمانية العليا في القاهرة. شارك العظمة في حرب البلقان عام 1912 م، وفي عام 1917 م عُيّن كمساعد لأنور باشا المفتش العام للجيش العثماني، وعمل في أواخر الحرب العالمية الأولى كرئيس لأركان حرب الفيلق التركي الأول الذي دافع عن الدردنيل حتى نهاية الحرب، وبعد الهدنة بقي العظمة في تركيا إلى أن سمع بتشكيل الحكومة العربية في دمشق، فاستقال من منصبه في الجيش التركي رغم زواجه من سيدة تركية التي رزق منها بطفلته الوحيدة والتحق بالجيش العربي. وزير الحربية بعد التحاقه بالجيش العربي الفيصلي، عُيّن العظمة كضابط ارتباط في بيروت، حيث استخدم الشفرة لأول مرّة في مكتب الحكومة العربية هناك، و بعد إعلان المَلَكيةّ نُقل من بيروت، وعُيّن رئيساً لأركان حرب القوّات العربية بعد ترقيته إلى رتبة عميد، ثمّ عند تشكيل وزارة هاشم الأتاسي الدفاعية في 3 مايو 1920 م أسندت إليه وزارة الحربية، فعكف على تنظيمها وتقوية الجيش العربي اليافع، بل وقام بإجراء عرض عسكري في دمشق لتقوية الروح المعنوية في الجيش ولدى السكان، ولكن الأقدار لم تمهله لإكمال تنظيم و تقوية هذا الجيش. صفاته كان يوسف العظمة رجلاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، معتزّاً بنفسه وبعروبته اعتزازاً واضحاً، و كان يتحلّى بكثير من الصفات الحسنة التي شهد له بها حتّى أعداؤه، كما كان عسكرياً بطبعه، يؤمن أن للجيش مهمة واحدة هي أن يقاتل بصرف النظر عمّا إذا كان سيربح أو يخسر نتيجةً لهذا القتال، وكان يعلم أنّه لابد من معركة فاصلة بين السوريين وفرنسا لم يمنعه من خوضها علمه سلفاً أنه سيخسرها، لأنه آمن بأن دهس الجنود الفرنسيين لأجساد الشعب واستيلاؤهم على المدن المدمّرة أفضل وأشرف ألف مرّة من فتح أبواب البلاد للجيش الفرنسي يدخلها بكل سهولة و يمشي في شوارعها مستعلياً. الاحتلال يريد سوريا عندما أخذت الحكومة الفرنسية تسعى لتنفيذ الانتداب الذي أقرّه مؤتمر فيرساي حسب تقسيمات اتفاقيّة سايكس- بيكو بشكل عملية احتلال عسكرية كاملة، فعقدت فرنسا هدنة مع تركيا، وأرسلت قوّات عديدة للشرق، وفوّضت الجنرال غورو مفوّضها السامي بإرسال إنذار نهائي إلى الملك فيصل. وتلقى الأمير فيصل إنذار الجنرال غورو الفرنسي وكان قد نزل على الساحل السوري بوجوب فض الجيش العربي وتسليم السلطة الفرنسية السكك الحديدية وقبول تداول ورق النقد الفرنسي وغير ذلك مما فيه القضاء على استقلال البلاد وثروتها، فتردد الملك فيصل ووزارته بين الرضا والإباء، ثم اتفق أكثرهم على التسليم، فأبرقوا إلى الجنرال غورو، وأوعز فيصل بفض الجيش. وعارض هذا بشدة وزير الحربية يوسف العظمة, واضطر لمجاراة رفاقه في الحكومة والرضوخ لهذا القبول، رغم رأيه القائل دوماً بأن “الجيش وجد ليقاتل حتى لو كانت نتيجة المعركة ضدّه”. الاستعداد للمقاومة بينما كان الجيش العربي المرابط على الحدود يتراجع منفضاً بأمر الملك فيصل كان الجيش الفرنسي يتقدم بأمر الجنرال غورو ولما سُئل هذا عن الأمر، أجاب بأن برقية فيصل بالموافقة على بنود الإنذار وصلت إليه بعد أن كانت المدة المضروبة 24 ساعة قد انتهت. وهكذا وجد الملك والحكومة أنه لم يعد هناك مجال لقبول هذه الشروط الجديدة، وتم رفضها، وبدأت القوى الوطنية بحثّ الناس على الخروج إلى ميسلون لصد العدو، وعاد فيصل يستنجد بالوطنيين السوريين لتأليف جيش أهلي يقوم مقام الجيش المنفض في الدفاع عن البلاد، فتراكض جمع غفير إلى هناك مسلحين بالبنادق والمسدسات القديمة والسيوف وحتى بالمقاليع لينضموا لفلول الجيش التي حاول العظمة جمعها قبل إتمام أمر تسريحها الذي صدر سابقاً استجابة للإنذار، وتقدم يوسف العظمة يقود جمهور المتطوعين على غير نظام، وإلى جانبهم عدد يسير من الضباط والجنود, وانطلق بصحبة مرافقه إلى القصر الملكي ليستأذن الملك فيصل بالذهاب إلى الجبهة. ولم يعد هناك بد من خوض معركة غير متكافئة بين الجيش الفرنسي المجهز بأحدث أسلحة العصر والبالغ عدد أفراده 9000 جندي بقيادة الجنرال غوابيه، وهو حفيد أحد القادة الصليبيين الذين جاؤوا لغزو بلادنا في الحملة الصليبية الثانية عام 1147 م، وبين 8000 من الجنود نصفهم على الأقل من المتطوعين والمسلحين بأسلحة قديمة دون دبابات أو طائرات أو تجهيزات ثقيلة، بقيادة يوسف العظمة. معركة ميسلون خرج العظمة ليتولّى قيادة الجيش في ميسلون في يوم 23 يوليو 1920 م واجتمع بالضباط الذين لم يتموا تنفيذ أمر تسريحهم وأبلغهم أن الحرب لابد قائمة، وأوعز إلى جميع القوى لتكون على أهبة الاستعداد لصد العدو المهاجم، وألقى على قادته فكره شفهياً خطته الدفاعية-الهجومية، والتي تتلخص في تنظيم خط دفاعي في وسط الجبهة على جانبي الطريق (القلب)، مع فرز وحدات خفيفة إلى يمين ويسار الجبهة لحماية الجناحين (الجناح الأيمن والجناح الأيسر)، إضافة إلى وضع ألغام محليّة الصنع على الطرق المؤدية إلى المنطقة… وتمركز العظمة في مركز قيادة الجبهة في أعلى مرتفع يشرف على الجبهة بكاملها، وبعد أن أدى صلاة الصبح ليوم 24 بدأ بالاستعداد لخوض المعركة التي استمرت من الفجر حتى الظهر. فى الساعة التاسعة بدأت المعركة عندما بدأت المدفعية الفرنسية بالتغلب على المدفعية العربية، وبدأت الدبابات الفرنسية بالتقدم باتجاه الخط الأمامي العربي في دفاع القلب، وعوّل العظمة على الألغام المدفونة لتوقف تقدّم هذه الدبابات، إلا أن الألغام لم تقم بعملها و لم تُؤثر فأسرع إليها يبحث، فإذا بأسلاكها قد قُطعت! وتمكن الفرنسيون من تحقيق نصر غير شريف نظراً لكثرة عددهم وقوة تسليحهم وعلى الرغم من استبسال المجاهدون في الدفاع عن الكرامة العربية. استشهاده وخلال المعركة وبعد نفاذ الذخائر نزل العظمة من مكمنه على جانب الطريق حيث يوجد مدفع عربي سريع الطلقات وأمر الرقيب سدين المدفع بإطلاق النار على الدبابات المتقدمة، وما كان من أحد رماتها إلا أن أطلق ناره باتجاه العظمة فخرّ شهيداً، وأسلم روحه الطاهرة هو ورقيب المدفع الذي كان بجواره في الساعة العاشرة والنصف من صباح 24 يوليو 1920 م، واستشهد العظمة في معركة الكرامة التي كانت نتيجتها متوقعة خاضها دفاعاً عن شرفه العسكري وشرف بلاده، فانتهت حياته وحياة الدولة التي تولى الدفاع عنها. وانتهت المعركة بعد استشهاد 400 جندي عربي، مقابل 42 قتيلا من الفرنسيين و 154 جريح. ودفن العظمة في المكان الذي أستشهد فيه وأصبح قبره في ميسلون إلى اليوم رمز التضحية الوطنية الخالد، تحمل إليه الأكاليل كل عام من مختلف الديار السورية. ولمّا استتبّ الأمر للفرنسيين قدِم الجنرال غورو إلى دمشق في أوائل شهر أغسطس 1920 م / 1338 هـ، وكان أول ما فعله بعد وصوله أن توجّه إلى ضريح البطل صلاح الدين الأيوبي، وخاطبه بتهكّم و شماتة: “يا صلاح الدين، أنت قلت لنا إبان الحروب الصليبية أنكم خرجتم من الشرق ولن تعودوا إليه، وها نحن عدنا، فانهض لترانا في سوريا!”.