التعدادُ التقريبيُّ للقتلى والموتى خلالَ زمنِ أشراط الساعة
يرى (مايك رامبينو) عالمُ الجيولوجيا في جامعةِ نيويورك و(ستانلي أمبروز) عالم الأنثروبولوجيا في جامعة إلينوي، أنَّ آخرَ عنقِ زجاجةٍ سكانيةٍ مرَّ بها الجنسُ البشريُّ كان نتيجةَ انفجارٍ بركان توبا الهائل. ويعتقدان أنَّ الظروفَ التي أعقبت ذلك الانفجارَ كانت تضاهي ما يعقب حربًا نوويةً شاملةً، ولكن دونَ إشعاعٍ، فإنَّ مليارات الأطنانِ من حامض الكبريتيك التي تصاعدت في طبقةِ الستراتوسفير على إثرِ كارثةِ توبا قد أدَّت إلى انغماسِ العالم في ظلامٍ وصقيعٍ لمدةِ عدةِ سنوات، وربما تتباطأُ عمليةُ التمثيل الضوئي حتى تكاد تكون قد توقفت تمامًا؛ مما دمَّرَ مصادر الغذاءِ لكلٍّ من البشر والحيواناتِ التي تتغذى عليها، ومع حلولِ الشتاءِ البركاني، في ذلك الوقتِ تضوَّر أجدادنا جوعًا وهلكوا وأخذت أعدادهم تقلُّ تدريجيًّا، وربما كانوا حينها في مناطقَ محميةٍ (لأسبابٍ جغرافيةٍ أو مناخيةٍ). إن من أسوء ما قد قيل في هذه الكارثةِ أنه طوالُ نحو 20 ألف سنة، لم يكن على كوكبِ الأرض بأكملِه سوى بضعةِ آلافٍ من البشر، وهذا يعني أنَّ جنسنا البشريَّ كان قابَ قوسين أو أدنى من الانقراض، وإن كان هذا صحيحًا، فمعناه أنَّ أسلافنا قد صاروا معرضين للخطرِ تمامًا كما هو الحالُ اليوم مع الخرتيت الأبيض أو الباندا العملاقة؛ وبالرغم من كلِّ الصعابِ يبدو أنَّ بقايا جنسِنا البشريِّ نجحوا في صراعِهم من أجلِ البقاء في أعقابِ كارثةِ توبا وحلولِ العصر الجليديّ، حتى وصل عددنا الآن أكثرَ من سبعةِ مليارات ونصفِ نسمة تقريبًا (المليار يساوي ألف مليون) منهم حوالي 1.8 مليار مسلمًا، وتشِكِّل هذه النسبةُ ما يعادل ربعَ سكانِ العالم الحالي، ولحساب أعدادِ القتلى بعد خمسِ كوارثَ طبيعيةٍ هائلة (مثل ما حدث عند انفجار بركان توبا الهائل) ستحدث للكرة الأرضية يجب علينا حسابُ أعدادِ سكانِ العالم حالياً أولاً.
تعدادُ سكانِ العالم الآن:
بحسب تقديراتِ الأمم المتحدة، سيصلُ عددُ سكانِ الكرةِ الأرضية في عامِ 2020 إلى أكثر من سبع مليارات ونصفِ نسمة تقريبا، ويُتوقع أن يزيدَ عددُ سكان العالم بمقدارِ ملياري فردٍ في الثلاثين عاماً المقبلة، وهذا يعني أنَّ سكَّانَ العالم سيزيدون من 7.7 مليارًا في الوقت الراهن إلى 9.7 مليارًا مع حلولِ عام 2050، وأنْ يصلَ العددُ إلى 11 مليارا مع حلول العام 2100. حيث يعيش 61% من سكانِ العالم في آسيا (4.7 مليار نسمة)، و 17 في المائةِ في أفريقيا (1.3 مليار نسمة) و 10 في المائة في أوروبا (750 مليون نسمة) و 8 في المائة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (650 مليون نسمة)، و ما تبقَّى من 5 في المائةِ في أمريكا الشمالية (370 مليون نسمة) وأوقيانوسيا (43 مليون نسمة) وتبقى الصين (1.44 مليار نسمة) والهند (1.39 مليار نسمة) هما أكبرُ بلدان العالم. يعيش الآن سكانُ العالمِ البالغ عددهم 7.7 مليار في مساحةٍ قدرُها 148.9 مليون كيلومتر مربعٍ وهي مساحةُ اليابسةِ أي الجزءُ الخارجيُّ من القشرةِ الأرضية الذي لا يغطيه الماء.
نأتي هنا إلى المساحةِ الصالحةِ للمعيشةِ التي سينتهي بها المطافِ للجنسِ البشرى للبقاء فيها وهي بلادُ الشام: مساحةُ الشام بما تضمُّه حالياً من أربعِ دولٍ، وهي: لبنان، وفلسطين، وسوريا، والأردن، وبعضُ الأقاليمِ التي تشكَّلّت من أراضيها، مثل: الأقاليمِ السوريّة الشّماليّة التّابعة إلى تركيا، وصحراءِ سيناء بمصر، ومنطقةِ الجوف ومنطقةِ تبوك التابعةِ للسعوديّة، ومدينة الموصل التابعة للعراق، كلُّ هذه المساحةِ لا تتجاوز حوالي 500 ألف كيلومتر مربع على أقصى تقديرٍ، يسكن في هذه المناطقِ جميعاً عددٌ لا يتجاوز المائةَ مليون نسمة على أقصى تقدير. نفس هذه المساحةِ وبنفس المواردِ الطبيعية هي التي ستستوعب آخرَ الأجيالِ البشرية قبل قيامِ الساعة، مع العلم أنَّ هذا هو المكانُ الوحيدُ الصالحُ للحياة باكتفاءِ ذاتيٍّ من مواردِه الطبيعية، أي لا وجودَ لِمَا يُسمَّى الآن الاستيرادَ من الخارج، فالبشر الذين سيقيمونُ بالشامِ في آخر الزمانِ سيعتمدون اعتمادًا كليَّاً على المواردِ الطبيعية من ماءٍ وزراعةٍ وتعدينٍ وكلِّ ما يحتاجه الإنسانُ من مواردَ مختلفةٍ حتى يبقى على قيد الحياة.
السؤالُ الآنَ هل يستوعب الشامُ أن يقيمَ فيه سبع مليارات نسمة دونَ الحاجةِ إلى العالم الخارجي ..؟
بالطبع ستكون الإجابةُ بلا، فالرقمُ الذي وضعناه بعددِ سكانِ الشامِ الآنَ والذي يبلغ حوالي المائةِ مليون نسمة يستوردون جزءًا من مواردِهم المختلفةِ من مختلف أنحاءِ العالم، ولكننا سنتجاوز هذا الرقمَ قليلاً وسنقول جزافاً أنَّ الشامَ من الممكن أن تستوعب 500 مليون نسمةً في مساحةٍ تبلغ حوالى 500 كيلومتر مربع، أي أنَّ الكثافة السكانيةِ ستكون حوالي 100 فرد تقريبًا في الكيلومتر مربع الواحد، وهذا يتجاوز الكثافةَ السكانيةَ لبلدٍ مكتظٍّ بالسكانِ، وقليلِ المواردِ مثل بنجلادش على سبيل المثال.
هذه هي الأرقامُ التقريبيةُ لعددٍ من سيتبقَّى من سكانِ العالمِ بعد حدوثِ خمسِ كوارثَ طبيعيةٍ هائلةٍ وعددٍ غيرِ معروفٍ من الكوارثِ الطبيعيةِ المتوسطةِ والصغيرةِ، فإذا بدأ العدُّ التنازلي الآن لأشراط الساعةِ، والعالمُ يبلغ عددُ سكانِه الآن حوالي سبعة ملياراتٍ ونصفِ نسمةٍ فإنه سيبلغ عددُ سكانِه بعد ثلاثةِ قرونٍ تقريباً على الأقلِّ كما ذكرنا سابقاُ إلى حوالي خمسمائةِ مليون نسمةٍ تقريباً على أقصى تقدير علمي والله أعلم.
السؤالُ الآنَ: أينَ هم السبعةُ مليارات نسمة المتبقِّين ..؟
الجواب: أنهم في عِدادِ القتلى والموتى بسببِ الكوارث الطبيعيةِ المتتالية في زمن لا يقلُّ تقريباً عن ثلاثةِ قرون ..!
هل تستوعب عزيزي القارئُ الرقمَ الذي ذكرته لك، أنه سبعةُ مليارات نسمة تقريباً أي أنه عددٌ يتجاوز عدد سكانِ الهندِ بسبعةِ مراتٍ تقريباً، كلُّ هؤلاء سيكونون في عدادِ القتلى والموتى في خلال ثلاثةِ قرونٍ أو أكثرَ تقريباً ولن يتبقَّى على كوكب الأرضِ من البشرِ الأحياء سوى 500 مليون على أقصى تقديرٍ، حيث سيتواجدون في مساحةٍ لا تتجاوز 500 ألف كيلومتر مربعٍ في بلادِ الشام، وهذا الرقمُ مبالغٌ فيه، فالشامُ لن تستوعبَ بمواردِها ومياهِها ومزارعُها النصفَ مليار نسمة، ولكنني وضعت هذا الرقمَ وهو أقصى ما يتخيله عقلُ إنسانٍ حتى أخرجَ في النهايةِ بنتيجةِ أن هناك سبعةَ مليار نسمة سيكونون في عدادِ القتلى والمفقودين والموتى خلالَ ثلاثةِ قرونٍ على الأقل، هذا في حالةِ أننا الآن في عام 2020 وفي خلالِ فتنةِ الدهيماءِ التي سيظهر في نهايتِها المهدي، وبالتالي سينفجر في نهايةِ تلك الفتنة البركانُ الهائل الذي سيسبب الدخانَ المبين، أما إذا اختلف توقيت بدأ العدُّ التنازليُّ لأشراطِ الساعةِ وبدأت تلك الأحداثُ في عام 2050 على سبيلِ المثالِ فستبقى نفسُ الأعدادِ التي ذكرنا بقاءها على قيدِ الحياة في الشامِ، وهي حوالى نصفِ مليارِ نسمةٍ على أقصى تقديرٍ، ولكن ستختلف حينئذٍ أعدادُ القتلى والموتى خلالَ فترةِ أشراطِ الساعة ليصبحَ تسعةَ مليارات نسمة تقريبًا، أما لو بدأ العدُّ التنازليُّ لأشراطِ الساعة مع حلول عام 2100 فستصل أعدادُ القتلى والموتى إلى أحدَ عشرَ مليارِ نسمةٍ تقريبًا، وهكذا تستطيع أن تحصرَ أخي القارئُ أعدادَ القتلى والموتى في أيِّ وقتٍ تبدأ فيه أول الكوارثِ الكبرى وهي الدخانُ المبين وحتى آخر هذه الكوارث الهائلةِ وهي انفجارُ بركان عدن.
فلتقم أخي القارئُ بعملِ الحسابات الآزمةِ حتى تُقدرَ عددَ القتلى من البشر بصورة ٍتقريبيةٍ بعد كلِّ كارثةٍ طبيعيةٍ من الكوارثِ الخمسة (البركانِ الهائل الأول وخسفٍ بالمشرق وخسفٍ بالمغرب وخسفٍ بجزيرةِ العربِ وبركانِ عدن) ستجد أعدادًا هائلةً من القتلى يصعب تخيُّلُها، ولا يوجد فيلمٌ أمريكيٌّ من أفلام الخيالِ العلمي صوَّر كوارثَ مشابهةً لهذه الكوارثِ الطبيعية التي ذكرناها في هذا الكتابِ سوى فيلمٍ أمريكيٍّ واحدٍ يتخيَّل هذه الكوارثَ بصورةٍ تقريبيةٍ وهو فيلم (2012) إنتاج عام 2009. إن أعدادَ القتلى التي ذكرناها والتي ستبلغ ملياراتٍ من البشرِ تنقلُنا إلى الحديث الذي رواه البخاريُّ في صحيحِه من حديث عوفٍ بن مالك رضي الله عنه قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ: «اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِئَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا». وقد فسَّر العلماءُ «مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ» بأنه الموتُ الكثيرُ الوقوعِ، وهو الوباءُ الذي كان حدث في زمنِ عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه بعد فتح القدس (عام 16هـ) حيث انتشر مرضُ الطاعون وذلك في سنة (18هـ) في أرضِ الشامِ، فمات خلقٌ كثيرٌ بلغ خمسةً وعشرين ألفَ رجلٍ من المسلمين، ومات بسببه جماعاتٌ من ساداتِ الصحابةِ منهم معاذُ بنُ جبلٍ وأبو عبيدةَ وشرحبيلُ بنُ حسنة والفضلُ بنُ العباس بنُ عبد المطلب وغيرُهم رضي الله عنهم أجمعين.
ولكني أقول لكم بعد الحصرِ التقريبيِّ لأعدادِ القتلى والمفقودين والموتى خلالَ زمنِ أشراطِ الساعة، بأنَّ تفسيرَ هذا الحديث ينطبقُ على ما سيحدث لاحقاً وأنه لم يقع بعد، فالخمسةُ والعشرون ألفاً الذين ماتوا في ذلك الوباءِ عددٌ لا يُذكر بجانبِ السبعةِ مليارات نسمة تقريباً من القتلى الذين سيموتون خلالَ زمنَ أشراطِ الساعة، كما أن وصفَ النبيِّ للمرضِ الذي سيسبِّبُ هذه الموتَ وهو (كقعاص الغنم) وهو داءٌ يأخذ الدوابَّ، فيسيل من أنوفِها شيءٌ فتموتُ فجأةً، فهذا التشبيهُ يشبِّهُ الأعراضَ التي سيسبِّبُها الدخانُ المبينُ نتيجة انفجارِ البركانِ الهائل، والله أعلم.
ألا يستحقُّ أنْ يبعثَ اللهُ سبحانه وتعالى رسولاً لسكانِ الكرةِ الأرضية والذين يبلغون حوالى سبعةِ ملياراتٍ ونصفٍ حتى ينذرَهم بعذابه قبل أن يقعَ عليهم مصداقاً لقولِه سبحانه وتعالى في سورةِ الإسراء: ﴿مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ ؟
(انتهي الإقتباس من جزء من الفصل التاسع عشر من كتاب الرسائل المنتظرة)