الدولة العثمانية

22 ديسمبر 2013

الدولة العثمانية
(699 – 1342 هـ / 1300 – 1924 م)
تقف الدولة العثمانية وسط تاريخ البشرية شامخةً؛ إذ حملت لواء الإسلام طوال ما يزيد على ستة قرون، وفتحت به أرجاء أوروبا وآسيا، وأقامت للإسلام دولة عظيمة، ظلَّت أوروبا الصليبية تخشاها وترهبها قروناً عِدَّة، وظلَّت أوروبا كذلك تُعِدُّ العُدَّة للقضاء عليها، وتتحين الفرصة تلو الفرصة، لكن الدولة العثمانية وقادتها كانوا يكيلون لهم الضربات تلو الضربات حتى إذا أخلد العثمانيون إلى الأرض، وتخلَّوا عن الحكم الإسلامي الصحيح، والأخذ بأسباب القوة؛ انقضت عليهم أوروبا الصليبية فمزقتها، وأشاعت الماسونية بين شبابها وقادتها، حتى سقطت الخلافة العثمانية، وأُلغِيَت على يد مصطفى كمال أتاتورك.
وتعد الدولة العثمانية أكثر الدول في الفتوحات الإسلامية بعد الدولة الأموية ، فقد أعاد العثمانيون الدعوة للجهاد والغزو وانطلقوا في فتوحات داخل أوروبا وأجزاء من أسيا الصغرى ، وعلى رأس هذه الفتوحات فتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح عام عام 857 هـ / 1453 م، وكذلك يعود للخلافة العثمانية الفضل في فتح وسط أوربا؛ حيث فتح العثمانيون منطقة البلقان في عام 756 هـ / 1355 م، ودانت لهم كل بلدان أوربا الوسطى الواحدة تلو الأخرى، فتم فتح بلغاريا في عام 774 هـ / 1372 م، وفُتِحت بلاد الصرب في عام 788 هـ / 1386 م، والبوسنة والهرسك في عام 792 هـ/ 1389 م، وكذلك كرواتيا وألبانيا وبلجراد وبلاد المجر. كما أن الجيوش العثمانية بقيادة السلطان سليمان القانوني وصلت إلى أسوار فيينا وحاصرتها في عام 936 هـ / 1529 م، ولم تتمكن من فتحها, كذلك بعد أكثر من مائة وخمسين عاماً حاصرت الجيوش العثمانية فيينا في عام 1094 هـ / 1683 م في عهد السلطان محمد الرابع.
وقد بقيت معظم هذه الأراضي بيد المسلمين وتابعة للخلافة العثمانية طوال فترة قوتها، ولكنها بدأت تتفلَّت تدريجياً مع دخول الدولة العثمانية في مرحلة الضعف، ولم يبق للخلافة العثمانية في عام 1337 هـ / 1918 م إلا مدينة إستانبول على أرض القارة الأوربية. وقد ترتب على بقاء هذه المناطق الأوربية لفترات طويلة في ظلِّ الخلافة العثمانية أن أصبحت مناطق بأسرها ذات أغلبية مسلمة، مثل: مقدونيا، وألبانيا، والبوسنة والهرسك، وجاليات إسلامية ضخمة في بلغاريا ورومانيا والجبل الأسود.
ويرجع دخول أغلب سكان المناطق التي سيطر عليها العثمانيون في الإسلام إلى معاملة العثمانيين المسلمين لأهل هذه البلاد بالعدل والمساواة، فكان الشخص القروي الضعيف الفقير يستطيع أن يرتقي إلى أعلى المراكز وأكثرها نفوذاً في الإمبراطورية العثمانية، وهو شكل من أشكال العدالة الاجتماعية كان مستحيلاً في المجتمعات الأوربية المعاصرة للعثمانيين. كما حلَّ الأمن في هذه المناطق مكان الصراع والفوضى، واستفادت أوربا من التنظيم الدقيق للعسكرية العثمانية، وكذلك من النظم الإدارية التي تعتمد على الكفاءة بالدرجة الأولى. وقد تمتع أيضاً أصحاب الديانات الأخرى كالنصرانية واليهودية في المناطق التي حكمها العثمانيون خلال عدة قرون بمعاملة كريمة تظهر آثارها واضحة في احتفاظ أهل هذه الديانات بلغاتها وثقافاتها ودياناتها حتى الآن.

من كتاب دول لا تنسي للرائد تامر بدر 

arAR