Tamer Badr

كتاب الاسلام والحرب

EGP60.00

التصنيف:

الوصف

مقدمة كتاب الاسلام والحرب

إن الحرب سنة كونية وقدر إلهي لا يخلو منه زمان أو مكان، فالحق والباطل في صراع دائم وقديم ومستمر، وعشية بزوغ فجر الإسلام كانت الحروب في المجتمع الجاهلي قائمة على قدم وساق، بل كانت الحرب من مصادر الدخل الثابتة عند العرب.

وحروب الجاهلية كانت تنشب لمجرد الرغبة في السلب والنهب أو قصد إذلال الآخرين، أو لأسباب تافهة، فحرب البسوس التي دامت عقوداً نشبت بسبب ناقة كسرت بيضة، وحرب داحس والغبراء التي أكلت الأخضر واليابس سببها سباق بين فرسين.

لهذه الأسباب وأشباهها قامت الحرب في الجاهلية، فغير الإسلام مسار ذلك المجتمع وعظم أمر الدماء فيه وكره إليه الحرب، فالإسلام لم يأت ليعارض السنن الكونية، فالظلم موجود والعدل موجود والباطل موجود، والحق موجود، ولا يمكن أن يوجد الضدان ثم لا يصطرعان، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً﴾ [الحج: 40].

إن الحرب في اللغة والاصطلاح تعنى الخروج على الأصل، وهو السلام والسكينة والاستقرار والأمن والأمان للنفس والذات والروح والجسد والمال والولد وكل ما هو كائن في الحياة لأداء وظيفته التي خلق من أجلها لذاته أو لمصلحة غيره من خلق الله، وبذلك تشمل الحرب الاعتداء على النفس المعصومة بغير حق سواء كان ذلك بالقتل أو بغيره بما يؤثر بالسلب على عصمة المعتدى إليه وترويع أمنه المادي وسكنه النفسي مهما كانت درجة هذا الاعتداء إن كان عدواناً وظلماً وإذا كان ذلك في الأصل من الغير فإنه قد يتصور مع النفس والذات على النفس وذلك بارتكاب الشخص من الأفعال والآثام ما يوقعه في دائرة الفساد والهلاك سواء كان ذلك كليًّا أو جزئيًّا وسواء كان ذلك بطريق إيجابي أو سلبي.

ومن المهم هنا أن نشرح نظرة الإسلام إلى الحرب، ونلخص هذا المفهوم في عدد من النقاط الرئيسية:ــ

أولاً: أن السلام هو الغاية والهدف.. والحرب إحدى وسائل تحقيق السلام وفي ذلك يقول القرآن الكريم:

– ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً﴾ [البقرة: 208].

– ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنفال: 61].

– ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ﴾

[البقرة: 190].

– ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً﴾

[النساء: 90].

ثانياً: أن الحرب في الإسلام نوعان:

1- دفاعية: لحماية أرض المسلمين وعقيدتهم، وفي ذلك يقول القرآن:

– ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: 194].

2- هجومية: وليس الهدف منها الغزو والاستعمار وقهر الشعوب أو إكراه الأمم على اعتناق الدين، ولكن الهدف تحرير إرادتها وحريتها لكي تختار الدين الحق.. دون قهر من الحكام أو الغزاة، وفي ذلك يقول تعالي:

– ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [البقرة: 256].

– ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾ [البقرة: 251].

ثالثاً: أن الشدة في القتال لا تعني القسوة ولا الوحشية ولا الظلم.

1- أُمر المسلمون بالشدة في القتال بمعنى العزم والحزم وعدم التراجع فقال تعالى:

– ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ﴾ [الأنفال: 15].

– ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾

[محمد: 47].

– ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة:73].

2- وفي نفس الوقت أُمروا بالرحمة والعدل والرفق بعد الانتصار فقال تعالى:

– ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً﴾ [الإنسان: 8].

– ﴿فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ [محمد: 47].

كان هذا هو الجانب العقائدي وقد تحدثنا عنه بإيجاز شديد وبقي الجانب الآخر وهو الجانب العملي من العسكرية الإسلامية.

فعندما نزل أمر الله للمسلمين بالجهاد.. لم يكلهم إلى عقيدتهم وحدها، ولم يكتف بمعنوياتهم العالية، بل قال لهم: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: 60] والأمر بالإعداد هنا لا يقتصر على السلاح وحده.. بل يشمل التنظيم الشامل المتواصل للحرب ماديًّا ومعنويًّا، وابتداءً من تعليم الضبط والربط والنظام، إلى التدريب المتواصل على كل الأسلحة، إلى دراسة الخطط الحربية إلى معرفة جغرافية المناطق والمواقع.. ثم الحرص على الأسلحة الحديثة والمتطورة والتدريب عليها ومنذ اللحظة الأولى لنزول الأمر بالجهاد ابتدأ الرسول ﷺ يُعلم أتباعه ويعدهم للانطلاقة الكبرى لنشر الدين في أقصى بقاع الأرض بل كانت تعاليمه ﷺ بمثابة مدرسة لتخريج القادة العظام على مر العصور والأجيال.

وسوف نستعرض في هذا الكتاب نظرية الحرب في الإسلام بكافة جوانبها، فأرجو أن يكون ما كتبته نموذجاً لما أصبو إليه وما يتطلع إليه الدارسون في دراسة أحداث تاريخنا العسكري.

ولست بمستغن عن أي ملاحظة تسد نقصاً هو من طبيعة عمل البشر، والشكر أقدمه سلفاً لكل من ساهم بملاحظة مفيدة أو لم يبخل عليَّ بدعوة بظهر الغيب صادقة، أصلح الله أحوال المسلمين ووقاهم الشرور والفتن وصلى الله على سيدنا محمد ﷺ.

وأخيراً: أرجو من الله تعالى أن يكون عملي عملاً خالصاً لوجهه الكريم وأن يثيبني على كل حرف كتبته ويجعله في ميزان حسناتي وأن يثيب إخواني الذين أعانوني بكافة ما يملكون من أجل إتمام هذا الكتاب.

«سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين».

الفقير إلى عفو ربه ومغفرته

تامر بدر

8 رمضان 1440 هــ

13 مايو 2019 م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *